المعجزة ... قصة قصيرة ..بقلم الأستاذ / محمد فهمى


المعجزة . قصة قصيرة بقلم / محمد فهمى
لمحته ينظر خلسة من تحت نظارته الشمسية وأنا  أرفع بعض الملفات على أحد الأرفف القريبة من مكتبه حيث ملابسى الضيقة وأكتافى العارية كانت تثير فضول الناس وخصوصا القرويين أمثاله لم أعره اهتماما فهذه ليست أول مرة ينظر إلى فيها فهى عادة متكررة كل يوم وأنا لم أشعره أننى أراه وهو ينظر . كان صوته جهوريا  ولهجته حادة وألفاظه جريئة وبنيانه قوى ولكنه يحمل قلبا شفافا بريئا كالأطفال سألنى يوما الآنسة مخطوبة ؟ قلت هل ترى دبلة فى إصبعى ؟ قال لا وهو شرط المخطوبة تلبس دبلة ؟ قلت نعم .قال ولكن عندنا فى البلد ليس مهما  الكلمة عندنا بألف دبلة  . قلت هذه عاداتكم أما هنا المخطوبة تعرف بالدبلة التى تلبسها. "آه طيب " . ولماذا تسأل ؟عندك عريس ؟ نعم ... عريس " ليه هو أنا خاطبة " بحدة وعنف خفت منهما قلت لا العفو يا أستاذ " مصطفى " أنا آسفة  . لا مفيش أسف ولا حاجة"  إحنا زمايل" يا آنسة " هدى "  أنا كان قصدى . وفجأة دخل الساعى . آنسة هدى  المدير " عاوز حضرتك " حاضر يا عم مرسى أنا "جاية " تركته وحده يقلب فى رأسه  أفكاره ودوافع السؤال حتى خرجت ولم ينتبه لمرورى أمامه ونزلت مسرعة حيث مقر الشركة الآخر لأنهى بعض المهام . وفى اليوم التالى وجدته يرتدى قميصا جديدا مشجرا وحذاء يلمع وتسريحة شعره تنبيء بأنه ذهب إلى الحلاق بالأمس    . صباح الخير يا آنسة هدى . صباح النور يا أستاذ مصطفى . "ما بلاش أستاذ دى " لا لا إنت زميل محترم ولك تقديرك .أشكرك . تشربى حاجة أنا عازمك على حاجة ساقعة . عم مرسي نعم يا أستاذ مصطفى اتنين حاجة ساقعة بسرعة . حاضر يا سعادة الباشا . خرج عم مرسي وأنا فى  غاية الإحراج أول مرة الأستاذ مصطفى يعزمنى على حاجة ساقعة وأول مرة يأتى بهذه الهيئة . هل قاده تفكيره ل.... الحاجة الساقعة يا أحلى عروسين ." أيه ده يا عم مرسى أيه الكلام ده " روح إنت يا عم مرسى . حاضر يا مصطفى بيه . "معلش يا آنسة هدى عمك مصطفى راجل طيب بيحب يهزر " وهو الكلام ده فيه هزار؟ " لا طبعا .. ممكن أطلب إيد حضرتك ؟ أنا .. أيوة إنت أنا غلطت لا سامح الله ولا فى حد تانى فى حياتك .. لا تانى ولا تالت بس إنت فاجئتنى يا مصطفى . قصدى يا أستاذ مصطفى . خليها مصطفى وفكرى "قدامك يومين النهاردة وبكرة الجمعة ويوم السبت ألاقى الرد على مكتبى قصدى فى مكتبى " وبعد إذنك انا كتبت إذن من المدير سلام عليكم . وعليكم السلام . لم يكن طلبه مفاجاة حيث نظراته الطويلة الدقيقة لى كانت تؤكد لى ان شيئا ما سيقع ولكنه يختلف فى طباعه  وعاداته عنى ...  ملابسى  وشعرى والنادى والشلة . و..و لا لا أنا لا يمكن أرتبط بهذا الإنسان .مرت ساعات وساعات وأنا  أفكر فى أمرى ثم ذهبت إلى البيت وانزويت فى حجرتى حتى طال الوقت فطرقت أمى الباب .هدى هدى نعم " أيه كل ده ومش سامعة الخبط " " معلش يا أمى عينى غفلت شوية " " يلا الغدا جاهز " خرجت لتناول الغداء ولكننى لم آكل كعادتى حتى لاحظت  أمى ذلك .  " مالك يا هدى فى حاجة مضايقاك فى الشغل يا بنتى " لا لا مفيش حاجة يا أمى " معقول ده أنا أمك حبيبتك . بعدين بعدين . لا يبقى حصل " زغردة الأم " أيه ده يا ماما الجيران يقولوا علينا أيه " ألف مبروك يا هدى مين يا حبيبتى " حسام " بتاع النادى " ولا علاء " بتاع الفيسبوك " لا يا ماما لا ده ولا ده . مين ده بقى " الأستاذ مصطفى زميلى فى الشركة " مصطفى مصطفى ألف مبروك وشكله أيه ده ياهدى..  طول بعرض ولا زى العيال السيس دول ؟  لما ييجى حتشوفيه يا ماما قولى لبابا يستعد علشان يقابل الراجل ... حاضر يا حبيبتى " كمان زغرودة " ويوم السبت وجدته قلقا يدور ويدور فىالمكتب ينظر لساعته مرة وللنافذة مرة أخرى . حتى لمحنى وأنا انزل من السيارة حتى خرج مسرعا التقانى على باب المكتب . خير يا آ نسة هدى " طيب قول صباح الخير الأول يا أستاذ مصطفى . صباح الخير . نقول مبروك .... اللى تشوفه  تحب تقابل بابا أمتى " دلوقتى حالا " ههههههههههه بابا فى الشغل .. أروح  له . خير البرعاجله . خد نمرته واتصل بيه وحدد معاه الموعد بس فى حاجات كنت عاوزة أعرفها منك قبل كا شيء اتفضلى يا آنسة هدى . أنا مش حغير لبسى ولا ماكياجى ولا تسريحة شعرى وأصحابى أروح لهم وييجوا عندى . طيب وماله اللى تشوفيه تحت أمرك . لم أكن أتوقع هذا الرد منه فقد كنت اظن أنه سيرفض وينتهى الأمرعند هذا الحد ولكن إجابته أصابتنى بالحيرة والدهشة ." آنسة هدى سرحت فى أيه ؟ لا ولا حاجة رقم تليفون بابا اتفضل .  اتفق الأ ستاذ مصطفى على موعد الخطوبة يوم الخميس القادم بقاعة النادىالذى أشترك فيه وهذه مفاجأة أخرى . فقد حجز القاعة ودعا جميع أصدقائى فى النادى وأصدقاء الفيس بوك . وكانت ليلة سعيدة . أحسست بعدها بعاطفة قوية نحو هذا الرجل الذى بدأ يتسرب إلى قلبى فى هدوء سريع .ولم يمض وقت طويل على الخطوبة وتم تحديد موعد الفرح فخشيت من هذه الليلة أن يتنمر لى بعد أن قدم لى أجمل الهدايا واللحظات السعيدة ولكنه كان  أكثر طواعية  حيث اشترطت أن يقام الحفل فى أحد الفنادق وان يكون الفستان عاريا على الكتفين والصدر وأن يحيي الحفل المطرب المفضل عندى  وكان وتم الزفاف أوائل  الربيع من العام الماضى . وسارت حياتى كما رسمتها العمل ثم البيت ثم الكوافير ثم النادى وذات يوم هممت بالخروج . هدى . على فين ؟ الكوافير . هو الكوافير راجل ولا ست ؟ بدأنا الكوافير عم محمود راجل كبير فى السن مربينى وأنا عندى عشر سنين والعيلة كلها بتروح له " أيه رأيك فى كوافيرة هايلة فى وسط البلد ممكن أحجز لك عندها ؟" معلش يا مصطفى مقدرش أغير عم محمود .  اللى تشوفيه  يا حبيبتى . طيب أنا نازل ممكن أوصلك فى سكتى بدل التاكسى ؟  يا ريت .ركبت مع مصطفى وأنا فى قمة الحيرة من أمرى لماذا لم أوافق على طلبه ؟ هذه أول مرة يطلب شيئا ؟ هنا يا مصطفى لما تخلصى اتصلى على علشان آجى أخدك. سلام . دخلت وحجزت دورى ولكنننى لم أكن راضية حتى عم محمود لاحظ ذلك . مالك يا بنتى حاجة ؟ لا يا عم محمود الحمد لله كله تمام . دق هاتفى " أكيد مصطفى رجع فى كلامه ." إنها أمى " ألو . ألحقينى ياهدى بابا تعبان قوى . " نزلت إلى الشارع مسرعة وفى  دقائق  كنت أمام البيت . بابا ........... مفيش حاجة يا هدى سليمة .. فى سيارة الإسعاف شعرت بأن الدنيالا تساوى لحظة كهذه التى ينام فيها الإنسان بلا حركة ولا نفس بين يدى ربه . أفاق أبى من غيبوبته وعدنا إلى البيت حدثنى مصطفى هاتفيا فأخبرته بما حدث فعاد علىالفور وقبل والدى وحمد الله علىسلامته . ورجعت معه ." ولا يهمك أنا أحجزلك معاد تانى عند عم محمود"  قلت له لا " خليها مدام إحسان " اللى فى وسط البلد وذهبت إليها وعدت فى قمة السعادة حيث كانت رقيقة و جميلة وماهرة لم أخجل وهى تقلب خصلات شعرى أو تلمس وجهى وقررت أن أتخلى نهائيا عن عم محمود . وبعدها بأيام سألنى "شفت المحل الجديد الذى افتتح فى وسط البلد  .  سمعت بيقولوا خطير جدا . خلاص أنا عازمك على طقم جديد من عنده " شكرا يا مصطفى " ونزلنا معا وانبهرت حينما شاهدت الملابس المعروضة ليست  كما كنت أتوقع  . ليست ناقصة الأكتاف أو ضيقة على الأرداف بل ساترة لكل الجسم . آيه ده يا مصطفى هو ده المحل ؟ ماله يا حبيبتى ؟ تعالى ودخلت معه وبدأت أقلب فيه حتى اهتديت إلى عباءة مطرزة على الصدر والأكتاف فقلت سبحان الله . لم أغط يوما الأكتاف والصدر وهذا الجمال يزينهما فاخترت هذه العباءة ولم أكن أبدا أتوقع ان أرتدى مثل هذه الملابس وخرجت سعيدة لأنى أرضيت زوجى  الذى منحنىا لسعادة والعطف والحنان ووعدته فى المرة القادمة أن يشترى لى حجابا يلائم تلك العباءة فلم نخرج إلا والحجاب معى .. وبعد عام من تاريخ زواجنا كنت أرتدى النقاب الشرعى طاعة لربى وإرضاء لزوجى الذى أحسن معاملتى فسبحان مغير الأحوال .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امتحانات السنوات السابقة لمادة اللغة العربية للصف الثالث الثانوى وإجاباتها

آداب الصداقة لابن مسكويه للصف الثانى الثانوى

مكارم الأخلاق وحاتم الطائى شرح الأستاذ محمد فهمى