التحويطة


التحويـطة" التميمة" بقلم . محمد فهمى

استيقظت مبكرا لبست عباءتها السوداء وطرحتها السوداء وحذاءها الأسود فتاة فى العقد الثانى من عمرها ـ أخرجها  أبوها من المدرسة منذ عشر  سنين  لتتزوج ابن عمها.ــ  جميلة هادئة طائعة ليس لديها حظ من الذكاء أو الفطنة تتجه نحو الشارع الكبير لتستقل سيارة أجرة تصل بها إلى المدينة فقد سمعت عن شيخ كبير يقوم بعمل الأحجبة والتمائم التى تحمى من الحسد وتأتى  بالأولاد وتجلب الأرزاق . كتمت الخبر عن  الجيران فالحيطان لها آذان فهى أنجبت أربعة  بطون كلها  إناث مما أثار غضب زوجها الذى لم يتلق شيئا من التعليم فهو وريث والده الوحيد الذى ترك له عدة أفدنة وآلاف الجنيهات ومزرعة من العجول وغيرها وحينما ولدت ابنتها الأولى  وصفها بالفقرية لأنها أنجبت له البنت وهو كان يريد الولد وحذرها فىالمرة الثانية لو أنجبت بنتا سوف يطلقها وبالفعل شاءت الأقدار أن تلد بنتا وكاد يطلقها لولا تدخل الجيران والأقارب وحملت الثالثة ووضعت يدها على قلبها " فالتالتة تابتة " كما يقولون ولكن يوم ولادتها كان يوما سعيدا له فقد ولدت  إحدى البقرات  عجلين فتفاءل بمولدها وسماها " وش الخير " وحمدت الأم ربها الذى أنقذها من الطلاق. ولكن  البحث ما زال مستمرا عن الولد فها هى تحمل للمرة الرابعة والجميع ينتظر المولود لم يكن الخبر مفاجأة فقد تعودوا عليه (ربنا يعوض عليك بالخلف الصالح ) قالتها القابلة  أو " الداية " كما يسمونها فى الأرياف والقرى . وهنا قرر الرجل أن يتزوج بأخرى حتى تأتيه بالولد فاستشاطت زوجته غضبا وظلت تبحث عن وسيلة تمنعه بها من  ارتكاب جريمته فى حقها حتى دلتها إحدى جاراتها على الوسيلة فذهبت إلى الشيخ الدجال " رجل فى الخمسين من عمره حفظ بعض سور القرآن القصيرة وبعض الآيات الطويلة كآية الكرسى وخاتمة البقرة .يرتدى جلبابا وعمة خضراء وفى يده مسبحة طويلة  وأمامه أكوام من الأوراق والمحابر والأقلام وأعواد البخور والفحم " وعلى الباب يقف مساعد الدجال " رجل قصير القامة ثمين يعرف من النساء حاجتهن للشيخ  قبل الدخول على الشيخ ثم  يتعلل بأن الشيخ يناديه فيذهب إليه يخبره بأحوال الداخل عليه " دخلت الفتاة : السلام عليكم يا مولانا الشيخ . ينظر إليها بطرف عينه " وعليكم السلام " يا روحية " . اللهم صلى على النبى وعرفت اسمى كمان يا مولانا . طبعا وعارف إنت جاية ليه " الله أكبر باين عليك سرك باتع. وأيه العمل يا مولانا . (يلقى بالبخور فى النار ) مفيش غير العمل نعمل له عمل نخليه يرجع عن الجوازة . اعمل يا مولانا واللى انت عاوزه اديهولك " ده حيكلفك 200ج ولا يهمك المهم الجوازة تبوظ . ووضعت يدها فى صدرها وأخرجت كيسا وأخذت تعد وأعطت الشيخ الدجال 200ج .  أخذ الشيخ الفلوس ووضع يده فى كوب ماء أمامه وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة ثم وضع الماء فى زجاجة وأمرها أن ترشه على عتبة الباب حينما يخرج زوجها لمقابلة اهل العروس الجديدة . وأخذت أغلى زجاجة مياه فى حياتها وفعلت مثلما أمرها . وخرج الزوج ذاهبا لإتمام الزواج ولكن العروس لما علمت بأنه أب لأربعة بنات اشترطت عليه طلاق الزوجة الأولى  وأن تسكن فى بيت وحدها الأمر الذى لم يوافق عليه الزوج لأن زوجته ابنة عمه وطلاقها يسبب له مشاكل عديدة مما أدى إلى فسخ الخطبة . وظنت الزوجة أن العمل قد أتى ثماره وأن هذا الشيخ  يده مبروكة ولذلك لا بد من الذهاب إليه مرة ثانية ولكن هذه المرة من أجل أن يعمل لى تحويطة تجيب  الولد  ولجهلها نسيت أن ذلك بيد الله وحده   يقول  سبحانه وتعالى "  لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50].   ولكنها ذهبت إلى الشيخ  . .... السلام عليكم يا مولانا . وعليكم السلام . شفتى ؟. أيوة يا مولانا شفت وأنا جايا لك المرة ادى فى موضوع تانى....  عارف " الولد...  عاوزة تخلفى ولد "  فقد علم من مساعده بذلك . فرفعت صوتها الله أكبر . بس ده يكلفك كتير مش مهم المهم الواد . 500ج ادفع خد ومدت يدها وأعطته ال500ج  ونفخ فى النار ثم أخذ ورقة من أمامه وقلما ثم غمسه فى الحبر وأخذ يخط خطوطا غيرمفهومة لا هى من لغة العرب ولا من لغة العجم وأمرها بأن تضع التحويطة " التميمة "  فى قطعة قماش وتضعها تحت رأسها وفعلت الزوجة المغلوبة على أمرها ومرت الأيام والشهور وها هى تحمل للمرة الخامسة وبدأت تعد الأيام فى انتظار  الولد الذى سوف يحمل اسم أبيه ويرث كل شيء وكأن البنت لا تحمل اسم أبيها وليس من حقها أن ترث والله تعالى يقول " للذكر مثل حظ الأنثيين " نعم فهى من حقها نصف الميراث ليس ظلما لها ولكن عدلا مع الرجل المكلف بإعداد مسكن الزوجة وأثاثه ومتاعه والإنفاق . وجاء اليوم الموعود وبدأت الزوجة تشعر بآلام الوضع فانتفض كل من فى البيت فالتميمة ربما تأتى بالولد ولكن الخبر الذى وقع كالصاعقة " مراتك جابت بنت " انهارت الأم وأخذت تضرب وجهها وتدعو بالويل والهلاك على ذلك الشيخ النصاب الذى ضحك عليها وأقسمت أن تذهب إليه لتفضحه أمام الناس ولكن بعد الأربعين . وبعد أيام دخلت عليها جارتها  مدرسة إبتدائى وأخذت تحكى لها عن أخبار الناس والبلد " شفتى اللى حصل يا هنومة ؟ " حصل أيه ؟ بيقولوا الشيخ " مبروك " اللى فى المدينة طلع نصاب لا هو شيخ ولا حاجة وقبضوا عليه " . الحمد لله ربنا ينتقم منه ضحك علي ولهف منى 700ج فى شوية ورق . هو إنت رحتى له ؟ آه رحت . يا ريتنى ما رحت .اسمعى  يا هنومة الخلفة بتاعت ربنا ومفيش حد يقدر يجيب ولد ولا بنت كله من عند ربنا هو وحده سبحانه الذى يرزق البنين والبنات . عندك حق يا أبلة . ومدت يدها وسحبت التميمة وألقتها فى الفرن وقالت " نعم بالله " أم زوجها فقد ذهب إلى المسجد فى تشييع جنازة فسمع خطيب المسجد يتحدث عن الموت والحياة والرزق وأنه سبحانه الذى يحيى ويميت ويرزق من يشاء بغير حساب وفسر للناس الرزق بأنه ليس المال ولكنه الولد الصالح أو البنت الصالحة وضرب مثلا ابنتى شعيب كيف وقفتا بجانب أبيهما وكانتا ترعيان الأغنام   وتفعلان كل شيء مثل الرجال وهذا رزق لأن النبى  صلى الله عليه وسلم قال  فى حديث ما معناه " من رزقه الله بأربع  بنات فعلمهن وأدبهن كن له سترا من النار فقال رجل ولو كن ثلاثا. قال صلى الله عليه وسلم ولو كن ثلاثا فقال رجل ولو كن اثنتين قال صلى الله عليه وسلم ولو كن اثنتين قال الرواى ولو قلت واحدة لقال ولكنى استحييت "  فتذكر الزوج بناته الخمسة وعاد بعد أن شيع الجنازة فرحا أن الله رزقه خمسة بنات يكن له سترا من النار فبدأ يحبهن ويرعاهن وأدخلهن المدرسة وكان قبل ذلك يرى المرسة عيبا ومرت السنون وتخرجت البنات من الجامعة وأصبحت إحداهن طبيبة ماهرة تعالج أهل القرية والقرى المجاورة والثانية تخرجت معلمة للغة العربية وفتحت معهدا لتعليم الكبار والثالثة مهندسة والرابعة مدرسة لغة إنجليزية وما زالت الخامسة فى مرحلة التعليم الثانوى .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

امتحانات السنوات السابقة لمادة اللغة العربية للصف الثالث الثانوى وإجاباتها

آداب الصداقة لابن مسكويه للصف الثانى الثانوى

مكارم الأخلاق وحاتم الطائى شرح الأستاذ محمد فهمى